سُميت دنيا لتدني منزلتها عند الله وحقارتها ...
أوضاعها غريبة ...
ليل يتبعه نهار ... حياة وموت ... لقاء وفراق ...
ضيق وفرح ...
آمال و آلام ... بزوغ وأقول ...
ومعادلة بسيطة ومتساوية الأطراف
( طفل الأمس هو شاب اليوم - هو شيخ الغد )
قال الله تعالى :
{ وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ
فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ
وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِرًا }
[الكهف : 45] ...
نعم هذا مثل هذه الحياة الدنيا في سرعة ذهابها
واضم حلالها وقرب فنائها وزوالها ...
هذه الحياة الدنيا لا راحة فيها ولا اطمئنان ...
ولا ثبات فيها ولا استقرار حوادثها كثيرة وعبرها غفيرة ...
دول تُبنى و أُخرى تزول ... مُدن تُعمّر وأُخرى تُدمّر ...
وممالك تُشاد و أُخرى تُباد ...
فرح يقتله ترح ... وضحكة تخرسها دمعة ...
صحيح يُسقم .........ومريضٍ يُعافى ...
وهكذا تسير عجلتها لا تقف لميلاد ولا لغياب ولا لفرح ولا لحزن ...
تسير حتى يأذن الله لها بالفناء ...
ولا يملك الناس من هذه الدنياشيئا إلا بمقدار ...
نزول المطر ونبات الزرع وصورته هشيما ...
بذلك ينتهي شريط الحياة ...
ما بين ولادة وطفولة... وشباب وشيخوخة ...
ثم موت وقبر ...
يُطوى سجل الإنسان بعجالة وكأنها غمضة
عين أو لمحة بصر أو ومضة برق ...
قال تعالى
{ اعْلَمُوا أَنمَا الحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ
وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ في الأَمْوَالِ وَالأَوْلَادِ }
سراب خادع ... وبريق لامع ...
ولكنها سيف قاطع ... وصارم ساطع ...
كم أذاقته أسى ... وكم جرعت غصصا ...
و أذاقت مرضا ...
كم أحزنت من فرح ... وأبكت من مرح ...
وكبرت من صبو ... وشابت من صغير ؟!
سرورها مشوب بالحزن ... وصفوها مشوبب الكدر ...
خداعة مكارة ... ساحرة غرارة ...
كم هم فيها من صغير ... وذل فيها من عزيز ...
وترف فيها من وثير ... وفقير فيها من غني ؟!
أحوالها متبدلة وشمولها متغيرة ...
يقول عليه الصلاة والسلام
( مالي وللدنيا , ما أنا في الدنيا إلا كراكب
استظل تحت شجرة ثم راح وتركها )
ومن وصايا عيسى على نبينا وعليه السلام لأصحابه قال :
( الدنيا قنطرة فاعبروها ولا تعمروها)
وقوله أيضا :
" من ذا الذي يبني فوق موج البحر دارا ؟! تلكم الدنيا فلا تتخذوها قرارا "
وقيل لنوح عليه السلام:
( يا أطول الأنبياء عمرا كيف رأيت الدنيا ؟ قال :
" كدار لها بابان دخلت من أحدهما وخرجت من الآخر "
إنا لنفرح بالأيام نقطعها ... وكل يوم مضى يدني من الأجل !!
فإن الموت الذي تخطانا الى غيرنا ... سيتخطى غيرنا إلينا فلنأخذ حذرنا ...
هوالموت ما منه ملاذ ومهرب ... متى حط ذا عن نعشه ذاك يركب !!
دعونا نحاسب أنفسنا ونستلهم الدروس والعبر مما فات ...
دعونا نتساءل عن يومنا كيف أمضيناه ؟!
وعن وقتنا كيف قضيناه ؟!
فإن كان مافية خيرا حمدناه وشكرنا ...
وإن كان ما فيه شراً تبنا إليه واستغفرناه ...
ليسأل كل واحد منا نفسه ...
كم صلاة فجر ضيعتها أو أخرتها ولم أصليها إلا عند الذهاب
إلى المدرسة أو العمل ؟
كم حفظت من كتاب الله وعملت به ؟
كم يوم صمته في سبيل الله ؟
كم صلة رحم قمت بزيارتها ؟
كم من غيبة كتبت علي ؟
وكم نظرة حرام سجلت علي؟
وكم فرصة سنحت لي لأتوب ولكني لم أتب حتى هذه اللحظة ؟
وكم... وكم...
فهلا حاسبنا أنفسنا الآن مادامت الفرصة سانحة ...
والسوق مفتوحة والبضاعة قائمة ؟!!
وقفة مع حياة الإنسان
لو ألقينا نظرة خاطفة على حياة الإنسان
في الدنيا لرأينا العجب العجاب...
والله إني لأعجب كثيرا ممن وهب نفسه للدنيا
ونسي الآخرة وكأنه لا يؤمن بها ...
مع علمه بأن المرء ليسله إلا عمر واحد ... و أجل محدود...
ولن يُعطى فوق أجله دقيقة واحدة ليعيشها...
ومع هذا يكابر ويتكبر ويسوف التوبة و يلهو بالمعصية
ويعيش حياة من لا يموت أبدا !!
اللهم اجعلنا من التوابين اليك ..
واختم لنا آخرتنا بـ الشهادة يا حي يا قيوم